فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال النسفي:

سورة العاديات مختلف فيها وهي إحدى عشرة آية.
بسم الله الرحمن الرحيم
{والعاديات ضَبْحًا}
أقسم بخيل الغزاة تعدو فتضبح، والضبح: صوت أنفاسها إذا عدون.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه حكاه فقال: أح أح.
وانتصاب {ضَبْحًا} على يضبحن ضبحًا {فالموريات} تورى نار الحباحب وهي ما ينقدح من حوافرها {قَدْحًا} قادحات صاكات بحوافرها الحجارة، والقدح: الصك، والإيراء: إخراج النار، تقول: قدح فأورى وقدح فأصلد.
وانتصب {قَدْحًا} بمانتصب به {ضَبْحًا} {فالمغيرات} تغير على العدو {صُبْحًا} في وقت الصبح {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} فهيجن بذلك الوقت غبارًا {فَوَسَطْنَ بِهِ} بذلك الوقت {جَمْعًا} من جموع الأعداء ووسطه بمعنى توسطه.
وقيل: الضمير لمكان الغارة أو للعدو الذي دل عليه.
{والعاديات} وعطف {فَأَثَرْنَ} على الفعل الذي وضع اسم الفاعل موضعه لأن المعنى واللاتي عدون فأورين فأغرن فأثرن.
وجواب القسم {إِنَّ الإنسان لِرَبّهِ لَكَنُودٌ} لكفور أي إنه لنعمة ربه خصوصًا لشديد الكفران {وَإِنَّهُ} وإن الإنسان {على ذلك} على كنوده {لَشَهِيدٌ} يشهد على نفسه، أو وإن الله على كنوده لشاهد على سبيل الوعيد {وَإِنَّهُ لِحُبّ الخير لَشَدِيدٌ} وإنه لأجل حب المال لبخيل ممسك، أو إنه لحب المال لقوي وهو لحب عبادة الله ضعيف {أَفَلاَ يعلم} الإنسان {إِذَا بُعْثِرَ} بعث {مَا في القبور} من الموتى و{ما} بمعنى (من) {وَحُصِّلَ مَا في الصدور} ميز ما فيها من الخير والشر {إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ} لعالم فيجازيهم على أعمالهم من الخير والشر، وخص {يَوْمَئِذٍ} بالذكر وهو عالم بهم في جميع الأزمان لأن الجزاء يقع يومئذ والله أعلم. اهـ.

.قال ابن جزي:

سورة العاديات:
اختلف في العاديات والموريات والمغيرات هل يراد بها الخيل أو الإبل؟ وعلى القول بأنها الخيل اختلف هل يعني خيل المجاهدين أو الخيل على الاطلاق؟ وعلى القول بأنها الإبل اختلف هل يعني إبل غزوة بدر أو إبل المجاهدين مطلقًا، أو إبل الحجاج أو الإبل على الاطلاق؟ ومعنى العاديات التي تعدو في مشيها، والضبح هو تصويت جهير عند العدو الشديد، ليس بصهال. وهو مصدر منصوب على تقدير: يضبحن ضبحًا أو هو مصدر في موضع الحال تقديره: العاديات في حال ضبحها، والموريات من قولك أوريت النار إذا أوقدتها، والقدح هو صك الحجارة فيخرج منها شعلة نار. وذلك عند ضرب الأرض لأرجل الخيل أو الإبل، وإعراب قدحًا كإعراب صبحًا، والمغيرات من قولك: أغارات الخيل إذا خرجت للإغارة على الأعداء، وصبحًا ظرف زمان لأن عادة أهل الغارة في الأكثر أن يخرجوا في الصباح {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} هذه الجملة معطوفة على العاديات وما بعده لأنه تقدير التي تعدو، والنقع: الغبار والضمير المجرور للوقت المذكور وهو الصبح، فالباء ظرفية أو لكان الذي تقتضيه المعنى، فالباء أيضًا ظرفية أو للعَدْو، وهو المصدر الذي يقتضيه العاديات. فالباء سببية، ومعنى أثرن حركن والضمير الفاعل للإبل أو للخيل أي حركن الغبار عند مشيهن {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا} معنى وسطن توسطن، وجمعًا اختلف هل المراد به جمع من الناس أو المزدلفة لأن اسمها جمع والضمير المجرور للوقت أو للمكان أو للعدو أو للنقع.
{إِنَّ الإنسان لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} هذا جواب القسم والكنود الكفور للنعمة فالتقدير: إن الإنسان لنعمة ربه لكفور، والإنسان جنس، وقيل: الكنود العاصي، وقال بعض الصوفية: الكنود هو الذي يعبد الله على عوض {وَإِنَّهُ على ذَلِكَ لَشَهِيدٌ} الضمير للإنسان أي هو شاهد على نفسه بكنوده، وقيل: هو الله تعالى على معنى التهديد: والأول أرجح لأن الضمير الذي بعده الإنسان بإتفاق، فيجري الكلام على نسق واحد {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخير لَشَدِيدٌ} الخبر هنا المال، كقوله: {إِن تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: 180] والمعنى أن الإنسان شديد الحب للمال، فهو ذم لحبه والحرص عليه، وقيل: الشديد: البخيل، والمعنى على هذا أنه بخيل من أجل حب المال، والأول أظهر، {إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي القبور} اي بحث عند ذلك عبارة عن البعث {وَحُصِّلَ مَا فِي الصدور} أي جمع ما في الصحف وأظهر محصلًا أو ميز خيره من شره {إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ} الضمير في ربهم وبهم يعود على الإنسان، لأنه يراد به الجنس وفي هذه الجملة وجهان: أحدهما أن هذه الجملة معمول {أفلا يعلم} فكان الأصل أن تفتح إن، ولكنها كسرت من أجل اللام التي في خبرها.
الثاني: أن تكون هذه الجملة مستأنفة ويكون معمول {أفلا يعلم} محذوفًا ويكون الفاعل ضميرًا يعود على الإنسان والتقدير: أفلا يعلم الإنسان حاله وما يكون منه إذا بعثر ما في القبور؟ وهذا هو الذي قاله ابن عطية: ويحتمل عندي أن يكون فاعل {أفلا يعلم} ضميرًا يعود على الله، والمفعول محذوف والتقدير: أفلا يعلم الله أعمال الإنسان إذا بعثر ما في القبور، ثم استأنف قوله: {إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ} على وجه التأكيد، أو البيان للمعنى المتقدم، والعامل في إذا بعثر على هذا الوجه هو: أفلا يعلم، والعمل فيه على مقتضى قول ابن عطية هو المعفول المحذوف، وإذا هنا ظرفية بمعنى حين ووقت وليست بشرطية، والعامل في يومئذ خبير، وإنما حض ذلك بيوم القيامة لأنه يوم الجزاء بقصد التهديد، مع أن الله خبير على الإطلاق. اهـ.

.قال البيضاوي:

سورة العاديات مختلف فيها، وآيها إحدى عشرة آية.
بسم الله الرحمن الرحيم
{والعاديات ضَبْحًا}
أقسم سبحانه بخيل الغزاة تعدو فتضبح ضبحًا، وهو صوت أنفاسها عند العدو ونصبه بفعله المحذوف، أو بـ: {العاديات} فإنها تدل بالالتزام على الضابحات، أو ضبحًا حال بمعنى ضابحة.
{فالموريات قَدْحًا} فالتي توري النار، والإِيراء إخراج النار يقال قدح الزند فأورى.
{فالمغيرات} يغير أهلها على العدو.
{صُبْحًا} أي في وقته.
{فَأَثَرْنَ} فهيجن.
{بِهِ} بذلك الوقت.
{نَقْعًا} غبارًا أو صياحًا.
{فَوَسَطْنَ بِهِ} فتوسطن بذلك الوقت أو بالعدو، أو بالنقع أي ملتبسات به.
{جَمْعًا} من جموع الأعداء، «روي: أنه عليه الصلاة والسلام بعث خيلًا فمضت أشهر لم يأته منهم خبر فنزلت». ويحتمل أن يكون القسم بالنفوس العادية أثر كما لهن الموريات بأفكارهن أنوار المعارف، والمغيرات على الهوى والعادات إذا ظهر لهن مثل أنوار القدس، {فَأَثَرْنَ بِهِ} شوقًا {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا} من مجموع العليين.
{إِنَّ الإنسان لِرَبّهِ لَكَنُودٌ} لكفور من كَنَدِ النعمة كنودًا، أو لعاص بلغة كندة، أو لبخيل بلغة بني مالك وهو جواب القسم.
{وَإِنَّهُ على ذَلِكَ} وإن الإنسان على كنوده {لَشَهِيدٌ} يشهد على نفسه لظهور أثره عليه، أو أن الله سبحانه وتعالى على كنوده لشهيد فيكون وعيدًا.
{وَإِنَّهُ لِحُبّ الخير} المال من قوله سبحانه وتعالى: {إِن تَرَكَ خَيْرًا} أي مالًا.
{لَشَدِيدٌ} لبخيل أو لقوي مبالغ فيه.
{أَفَلاَ يعلم إِذَا بُعْثِرَ} بعث.
{مَا في القبور} من الموتى وقرئ: {بحثر} و{بحت}.
{وَحُصّلَ} جمع محصلًا في الصحف أو ميز.
{مَا في الصدور} من خير أو شر، وتخصيصه لأنه الأصل.
{إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ} وهو يوم القيامة.
{لَّخَبِيرٌ} عالم بما أعلنوا وما أسروا فيجازيهم عليه، وإنما قال: {مَا} ثم قال: {بِهِمُ} لاختلاف شأنهم في الحالين، وقرئ {أن} و{خبير} بلا لام. عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة والعاديات أعطى من الأجر عشر حسنات بعدد من بات بالمزدلفة وشهد جمعًا». اهـ.

.قال أبو حيان:

سورة العاديات:
{وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1)}
والجمهور من أهل التفسير واللغة على أن العاديات هنا الخيل، تعدو في سبيل الله وتضبح حالة عدوها، وقال عنترة:
والخيل تكدح حين تضبح ** في حياض الموت ضبحا

وقال أبو عبد الله وعلي وإبراهيم والسدي ومحمد بن كعب وعبيد بن عمير: العاديات: الإبل.
أقسم بها حين تعدو من عرفة ومن المزدلفة إذا دفع الحاج.
وبأهل غزوة بدر لم يكن فيها غير فرسين، فرس للزبير وفرس للمقداد، وبهذا حج علي رضي الله عنه ابن عباس حين تماريا، فرجع ابن عباس إلى قول علي رضي الله تعالى عنهما.
وقالت صفية بنت عبد المطلب:
فلا والعاديات غداة جمع ** بأيديها إذا سطع الغبار

وانتصب ضبحًا على إضمار فعل، أي يضبحن ضبحًا؛ أو على أنه في موضع الحال، أي ضابحات؛ أو على المصدر على قول أبي عبيدة أن معناه العدو الشديد، فهو منصوب بالعاديات.
وقال الزمخشري: أو بالعاديات كأنه قيل: والضابحات، لأن الضبح يكون مع العدو، انتهى.
وإذا كان الضبح مع العدو، فلا يكون معنى {والعاديات} معنى الضابحات، فلا ينبغي أن يفسر به.
{فالموريات قدحًا}، والإيراء: إخراج النار، أي تقدح بحوافرها الحجارة فيتطاير منها النار لصك بعض الحجارة بعضًا.
ويقال: قدح فأورى، وقدح فأصلد.
وتسمى تلك النار التي تقدحها الحوافر من الخيل أو الإبل: نار الحباحب.
قال الشاعر:
تقدّ السلو في المضاعف نسجه ** وتوقد بالصفاح نار الحباحب

وقيل: {فالموريات قدحًا} مجاز، أو استعارة في الخيل تشعل الحرب، قاله قتادة.
وقال تعالى: {كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله} ويقال: حمي الوطيس إذا اشتدّ الحرب.
وقال ابن عباس ومجاهد وزيد بن أسلم: الموريات: الجماعة التي تمكر في الحرب، والعرب تقوله إذا أرادت المكر بالرجل: والله لا يكون ذلك، ولأورين لك.
وعن ابن عباس أيضًا: التي توري نارها بالليل لحاجتها وطعامها.
وعنه أيضًا: جماعة الغزاة تكثر النار إرهابًا.
وقال عكرمة: ألسنة الرجال توري النار من عظيم ما تتكلم به، وتظهر من الحجج والدلائل، وإظهار الحق وإبطال الباطل.
{فالمغيرات صبحًا}: أي تغير على العدو في الصبح، ومن قال هي الإبل، قال العرب تقول: أغار إذا عدى جريًا، أي من مزدلفة إلى منى، أو في بدر؛ وفي هذا دليل على أن هذه الأوصاف لذات واحدة، لعطفها بالفاء التي تقتضي التعقيب.
والظاهر أنها الخيل التي يجاهد عليها العدو من الكفار، ولا يستدل على أنها الإبل بوقعة بدر، وإن لم يكن فيها إلا فرسان، لأنه لم يذكر أن سبب نزول هذه السورة هو وقعة بدر، ثم بعد ذلك لا يكاد يوجد أن الإبل جوهد عليها في سبيل الله، بل المعلوم أنه لا يجاهد في سبيل الله تعالى إلا على الخيل في شرق البلاد وغربها.
{فأثرن}: معطوف على اسم الفاعل الذي هو صلة أل، لأنه في معنى الفعل، إذ تقديره: فاللاتي عدون فأغرن فأثرن.
وقال الزمخشري: معطوف على الفعل الذي وضع اسم الفاعل موضعه، انتهى.
وتقول أصحابنا: هو معطوف على الاسم، لأنه في معنى الفعل.
وقرأ الجمهور: {فأثرن}، {فوسطن}، بتخفيف الثاء والسين؛ وأبو حيوة وابن أبي عبلة: بشدّهما؛ وعليّ وزيد بن علي وقتادة وابن أبي ليلى: بشدّ السين.
وقال الزمخشري: وقرأ أبو حيوة: فأثرن بالتشديد، بمعنى: فأظهرن به غبارًا، لأن التأثير فيه معنى الإظهار، أو قلب ثورن إلى وثرن، وقلب الواو همزة.
وقرئ: فوسطن بالتشديد للتعدية، والباء مزيدة للتوكيد، كقوله: {فأتوا به} وهي مبالغة في وسطن، انتهى.
أما قوله: أو قلب، فتمحل بارد.
وأما أن التشديد للتعدية، فقد نقلوا أن وسط مخففًا ومثقلًا بمعنى واحد، وأنهما لغتان، والضمير في به عائد في الأول على الصبح، أي هيجن في ذلك الوقت غبارًا، وفي به الثاني على الصبح.
قيل: أو على النقع، أي وسطن النقع الجمع، فيكون وسطه بمعنى توسطه.
وقال علي وعبد الله: {فوسطن به جمعًا}: أي الإبل، وجمعًا اسم للمزدلفة، وليس بجمع من الناس.
وقال بشر بن أبي حازم:
فوسطن جمعهم وأفلت حاجب ** تحت العجاجة في الغبار الأقتم

وقيل: الضمير في به معًا يعود على العدو الدال عليه {والعاديات} أيضًا.
وقيل: يعود على المكان الذي يقتضيه المعنى، وإن لم يجر له ذكر، لدلالة والعاديات وما بعدها عليه.
وقيل: المراد بالنقع هنا الصياح، والظاهر أن المقسم به هو جنس العاديات، وليست أل فيه للعهد، والمقسم عليه: {إن الإنسان لربه لكنود}.
وفي الحديث: «الكنود يأكل وحده ويمنع رفده ويضرب عبده» وقال ابن عباس والحسن: هو الجحود لنعمة الله تعالى.
وعن الحسن أيضًا: هو اللائم لربه، يعد السيئات وينسى الحسنات.
وقال الفضيل: هو الذي تنسيه سيئة واحدة حسنات كثيرة، ويعامل الله على عقد عوض.
وقال عطاء: هو الذي لا يغطى في النائبات مع قومه.
وقيل: البخيل.
وقال ابن قتيبة: أرض كنود: لا تنبت شيئًا.
والظاهر عود الضمير في {وإنه} على ذلك {لشهيد}، أي يشهد على كنوده، ولا يقدر أن يجحده لظهور أمره، وقاله الحسن ومحمد بن كعب.
وقال ابن عباس وقتادة: هو عائد على الله تعالى، أي وربه شاهد عليه، وهو على سبيل الوعيد.
وقال التبريزي: هو عائد على الله تعالى، وربه شاهد عليه هو الأصح، لأن الضمير يجب عوده إلى أقرب المذكورين، ويكون ذلك كالوعيد والزجر عن المعاصي، انتهى.
ولا يترجح بالقرب إلا إذا تساويا من حيث المعنى.
والإنسان هنا هو المحدث عنه والمسند إليه الكنود.
وأيضًا فتناسق الضمائر لواحد مع صحة المعنى أولى من جعلهما لمختلفين، ولاسيما إذا توسط الضمير بين ضميرين عائدين على واحد.
{وإنه}: أي وإن الإنسان، {لحب الخير}: أي المال، {لشديد}: أي قوي في حبه.
وقيل: لبخيل بالمال ضابط له، ويقال للبخيل: شديد ومتشدد.
وقال طرفة:
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي ** عقيلة مال الفاحش المتشدد

وقال قتادة: الخير من حيث وقع في القرآن هو المال.
قال ابن عطية: ويحتمل أن يراد هذا الخير الدنيوي من مال وصحة وجاءه عند الملوك ونحوه، لأن الكفار والجهال لا يعرفون غير ذلك.
فأما المحب في خير الآخرة فممدوح مرجوله الفور.
وقال الفراء: نظم الآية أن يقال: وإنه لشديد الحب للخير.
فلما تقدم الحب قال لشديد، وحذف من آخره ذكر الحب لأنه قد جرى ذكره، ولرءوس الآي كقوله تعالى: {في يوم عاصف} والعصوف: للريح لا للأيام، كأنه قال: في يوم عاصف الريح، انتهى.
وقال غيره ما معناه: لأنه ليس أصله ذلك التركيب، بل اللام في {لحب} لام العلة، أي وإنه لأجل حب المال لبخيل؛ أو وإنه لحب المال وإيثاره قوي مطيق، وهو لحب عبادة الله وشكر نعمه ضعيف متقاعس.
تقول: هو شديد لهذا الأمر وقوي له إذا كان مطيقًا له ضابطًا.
قال الزمخشري: أو أراد: وإنه لحب الخيرات غير هش منبسط، ولكنه شديد منقبض.
{أفلا يعلم}: توقيف إلى ما يؤول إليه الإنسان، ومفعول يعلم محذوف وهو العامل في الظرف، أي أفلا يعلم مآ له؟ {إذا بعثر}، وقال الحوفي: إذا ظرف مضاف إلى بعثر والعامل فيه يعلم.
انتهى، وليس بمتضح لأن المعنى: أفلا يعلم الآن؟ وقرأ الجمهور: بعثر بالعين مبنيًا للمفعول.
وقرأ عبد الله: بالحاء.
وقرأ الأسود بن زيد: بحث.
وقرأ نضر بن عاصم: بحثر على بنائه للفاعل.
وقرأ ابن يعمر ونصر بن عاصم ومحمد بن أبي سعدان: وحصل مبنيًا للفاعل؛ والجمهور: مبنيًا للمفعول.
وقرأ ابن يعمر أيضًا ونصر بن عاصم أيضًا: وحصل مبنيًا للفاعل خفيف الصاد، والمعنى جمع ما في المصحف، أي أظهر محصلًا مجموعًا.
وقيل: ميز وكشف ليقع الجزاء عليه.
وقرأ الجمهور: {إن} {لخبير} باللام: هو استئناف إخبار، والعامل في {بهم}، وفي {يومئذ لخبير}، وهو تعالى خبير دائمًا لكنه ضمن خبير معنى مجاز لهم في ذلك اليوم.
وقرأ أبو السمال والحجاج: بفتح الهمزة وإسقاط اللام.
ويظهر في هذه القراءة تسلط يعلم على إن، لكنه لا يمكن إعمال خبير في إذا لكونه في صلة أن المصدرية، لكنه لا يمكن أن يقدر له عامل فيه من معنى الكلام، فإنه قال: يجزيهم إذا بعثر، وعلى هذا التقدير يجوز أن يكون يعلم معلقه عن العمل في قراءة الجمهور، وسدت مسد المعمول في إن، وفي خبرها اللام ظاهر، إذ هي في موضع نصب بيعلم.
وإذا العامل فيها من معنى مضمون الجملة تقديره: كما قلنا يجزيهم إذا بعثر. اهـ.